أسس البحث في تاريخ الصحابة
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: أصحاب الرسول :: عقيدتنا في الصحابة _ محمد بن عبد الله
صفحة 1 من اصل 1
أسس البحث في تاريخ الصحابة
أسس
البحث في تاريخ الصحابة...
أولا : إن الكلام عما شجر بين الصحابة
ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف
والإمساك عما شجر بين الصحابة ، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في
العقيدة ، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ، والسنة لابن أبي عاصم ،
وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني ، والإبانة لابن بطة ، والطحاوية ، وغيرها .
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه
الالتباس والتشويش والفتنة ، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة
وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله ، لصغر سنه أو لحداثة عهده
بالدين . . . لحقيقة ما حصل بين الصحابة ، واختلاف اجتهادهم في ذلك ، فيقع
في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم .
وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية
مقررة عند السلف ، وهي إلا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه
عقولهم .
قال الإمام البخاري رحمه الله : ((
باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا )) . وقال علي رضي الله
عنه : (( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )) .
وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك :
(( وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة . ومثله قول
ابن مسعود : ( ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة
) . ( رواه مسلم ) .
وممن كره التحدث ببعض دون بعض أحمد في
الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو
يوسف في الغرائب . .
)) ، إلى أن قال : (( وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث
يقوي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراده ، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه
الأخذ بظاهره مطلوب ، والله أعلم . ( صحيح البخاري 1 / 41 ، الفتح 1 / 199
-200 ، وراجع أيضا كلاما جيدا للسلمي في كتابة التاريخ 228 ) .
ثانيا : إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما
شجر بينهم ، فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين
الصحابة ، قال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } . وهذه الآية تأمر
المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق ، لكيلا يحكموا
بموجبها على الناس فيندموا .
فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن
الصحابة ، وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى ، خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات
دخلها الكذب والتحريف ، أما من جهة اصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص
يخرج الرواية مخرج الذم والطعن .
وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو
من هذا الباب ، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب ، مثل أبي مخنف لوط بن
يحيى ، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأمثالهما . ( منهاج السنة 5 /
72 ، وانظر دراسة نقدية " مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري / عصر الراشدين
، ليحيى اليحيى ) .
من أجل ذلك لا يجوز أن يدفع النقل
المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف ،
وبعضها يقدح فيما علم ، فإن اليقين لا يزول بالشك ، ونحن تيقنا ما ثبت في
فضائلهم ، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها ، فكيف إذا علم بطلانها . (
منهاج السنة 6 / 305 ) .
ثالثا : إذا صحت الرواية في ميزان
الجرح والتعديل ، وكان ظاهرها القدح ، فليلتمس لها أحسن المخارج والمحاذير .
قال ابن أبي زيد : (( والإمساك عما
شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن
المذاهب )) . ( مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، وانظر تنويرا لمقالة
حل ألفاظ الرسالة للتتائي ) .
وقال ابن دقيق العيد : (( وما نقل
عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه ، فمنه ما هو باطل وكذب ، فلا يلتفت إليه
، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا ، لأن الثناء عليهم من الله سابق ،
وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل ، والمشكوك والموهوم لا يبطل
الملحق المعلوم )) . ( أصحاب رسول الله ومذاهب الناس فيهم لعبد العزيز
العجلان ص360 ) .
هذا بالنسبة لعموم ما روي في قدحهم .
رابعا : أما ما روي على الخصوص فيما
شجر بينهم ، وثبت في ميزان النقد العلمي ، فهم فيه مجتهدون ، وذلك أن
القضايا كانت مشتبهة ، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ظهر لهم بالاجتهاد أن
الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه ،
فيما اعتقدوه ، ففعلوا ذلك ، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة
إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده .
القسم الثاني : عكس هؤلاء ، ظهر لهم
بالاجتهاد إن الحق مع الطرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه .
القسم الثالث : اشتبهت عليهم القضية ،
وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين ، فاعتزلوا الفريقين ،
وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم
حتى يظهر أنه مستحق لذلك . ( مسلم بشرح النووي 15 / 149 ، 18 / 11 ، وراجع
الإصابة 2 / 501 ، فتح الباري 13 / 34 ) .
أيضا من المهم أن نعلم أن القتال الذي
حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة ، فإن أهل الجمل
وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام
دون علي ، ولا قال ذلك طلحة والزبير ، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من
العلماء ، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه ،
وهو من باب قتال أهل البغي والعدل ، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام
، لا على قاعدة دينية ، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين . ( منهاج السنة 6
/ 327 ) .
ويقول عمر بن شبه : (( إن أحدا لم
ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ، ولا دعوا أحدا ليولوه
الخلافة ، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص
منهم )) . ( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56 ) .
ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي : (( أن أبا
مسلم الخولاني وأناسا معه ، جاءوا إلى معاوية، وقالوا : أنت تنازع عليا أم
أنت مثله ؟ . فقال : لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني ، وأحق بالأمر مني
، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمته ، والطالب بدمه ،
فائتوه فقولوا له ، فليدفع إلي قتلة عثمان ، وأسلم له . فأتوا عليا ،
فكلموه ، فلم يدفعهم إليه )) . ( سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 140 ، بسند
رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط ) .
وفي رواية عند ابن كثير : (( فعند ذلك
صمم أهل الشام على القتال مع معاوية )) . ( البداية والنهاية 8 / 132 ،
وانظر كلاما لإمام الحرمين وتعليقا للتباني عليه - إتحاف ذوي النجابة ص 152
) .
وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم
ما دخلوا في فتنة .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : ((
حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن علية ،حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن
سيرين ، قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ،
فما حضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين )) .
قال ابن تيمية : (( وهذا الإسناد من
اصح إسناد على وجه الأرض ، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته ،
ومراسيله من أصح المراسيل )) . ( منهاج السنة 6 / 236 ) .
فأين الباحثون المنصفون ليدرسوا مثل
هذه النصوص الصحيحة ، لتكون منطلقا لهم ، لا أن يلطخوا أذهانهم بتشويشات
الإخباريين ، ثم يؤولوا النصوص الصحيحة حسب ما عندهم من البضاعة المزجاة .
خامسا : ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول
الفتن التي وقعت بين الصحابة - مع اجتهادهم فيها وتأولهم - حزنهم الشديد
وندمهم لما جرى ، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه ، وتأثر
بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه ، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر
سيصل إلى القتال ، وإليك بعض من هذه النصوص :
هذه عائشة أم المؤمنين ، تقول فيما
يروي الزهري عنها : (( إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني ، ولم أحسب أن
يكون بين الناس قتال ، ولو علمت ذلك لم اقف ذلك الموقف أبدا )) . ( مغازي
الزهري ) .
وكانت إذا قرأت { وقرن في بيوتكن }
تبكي حتى يبتل خمارها . ( سير أعلام النبلاء 2 / 177 ) .
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،
يقول عنه الشعبي : (( لما قتل طلحة ورآه علي مقتولا ، جعل يمسح التراب عن
وجهه ، ويقول : عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدّلا تحت نجوم السماء . . ثم
قال : إلى الله أشكو عجزي وبجري . - أي همومي وأحزاني -وبكى عليه هو
وأصحابه ، وقال : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة )) . ( أسد الغابة
لابن الأثير 3 / 88 - 89 ) .
وكان يقول ليالي صفين : (( لله در
مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك - وهما ممن اعتزل الفتنة - إن كان برا
إن أجره لعظيم ، وإن كان إثما إن خطره ليسير )) . ( منهاج السنة 6 / 209 ) .
فهذا قول أمير المؤمنين ، رغم قول أهل
السنة أن عليا ومن معه أقرب إلى الحق . ( فتح الباري 12 / 67 ) .
وهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه -
وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - يقول :
(( إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها )) ، فقال مولاه : أتسميها فتنة
وتقاتل فيها ؟! قال : (( ويحك ، إنا نبصر ولا نبصر ، ما كان أمر قط إلا
علمت موضع قدمي فيه ، غير هذا الأمر ، فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر
)) . ( فتح الباري 12 / 67 ) .
وهذا معاوية رضي الله عنه ، لما جاءه
نعي علي بن أبي طالب ، جلس وهو يقول : (( إنا لله وإنا إليه راجعون ، وجعل
يبكي . فقالت امرأته : أنت بالأمس تقاتله ، واليوم تبكيه ؟! . فقال : ويحك ،
إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره )) . وفي
رواية (( ويحك ، أنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم )) . (
البداية والنهاية 8 / 15 - 133 ) .
وبعد هذه المنقولات كلها ، كيف يلامون
بأمور كانت متشابهة عليهم ، فاجتهدوا ، فأصاب بعضهم وأخطأ الآخرون ،
وجميعهم بين أجر وأجرين ، ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى .
وما حصل بينهم من جنس المصائب التي
يكفر الله عز وجل بها ذنوبهم ، ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم ، قال صلى الله
عليه وسلم : (( لا يزال البلاء بالعبد ، حتى يسير في الأرض وليس عليه خطيئة
)) . ( رواه الترمذي 2398 وقال حسن صحيح ، وحسنه ابن حبان والحاكم وسكت
عنه الذهبي 1 / 41 ، وحسنه الألباني - المشكاة 1 / 492 من حديث سعد ، وصححه
في الصحيحة 144 ، وانظر شواهده 143 145 ، وراجع الفتح 10 / 111 - 112 ) .
وعلى أقل الأحوال ، لو كان ما حصل من
بعضهم في ذلك ذنبا محققا ، فإن الله عز وجل يكفره بأسباب كثيرة ، من أعظمها
الحسنات الماضية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم ، والمصائب المكفرة ،
والاستغفار ، والتوبة التي يبدل بها الله عز وجل السيئات حسنات ، ذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . ( للتوسع راجع منهاج السنة6 /
205 فقد ذكر عشر أسباب مكفرة ) .
سادسا : نقول أخيرا أن أهل السنة
والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز
عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر
منهم إن صدر ، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه ، أو أتى
بحسنات تمحوه ، أو غفر له بسابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ،
وهم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان
هذا في الذنوب المحققة ، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها : إن أصابوا
فلهم أجران ، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور .
ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم
قليل نادر ، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة
وعلم نافع وعمل صالح . ( أنظر شرح العقيدة الواسطية لخليل هراس 164 -167 )
.
يقول الذهبي رحمه الله : (( فالقوم
لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم ، وجهاد محاء ، وعبادة ممحصة ، ولسنا
ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة )) . ( سير أعلام النبلاء 10 /
93 ، في ترجمة الشافعي ).
إذن ، فاعتقادنا بعدالة الصحابة لا
يستلزم العصمة ، فالعدالة استقامة السيرة والدين ، ويرجع حاصلها إلى هيئة
راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا ، حتى تحصل ثقة
النفس بصدقه . . . ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي .
ومع ذلك يجب الكف عن ذكر معايبهم
ومساوئهم مطلقا - كما مر سابقا - ، وإن دعت الضرورة إلى ذكر زلة أو خطأ
صحابي ، فلا بد أن يقترن بذلك منزلة هذا الصحابي من توبته أو جهاده وسابقته
- فمثلا من الظلم أن نذكر زلة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه دون ذكر
توبته التي لو تابها صاحب مكس لقبل منه . . . وهكذا . ( الإمامة لأبي نعيم
340، ومنهاج السنة 6 / 207 ) .
فالمرء لا يعاب بزلة يسيرة حصلت منه
في من فترات حياته وتاب منها ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا ينقص البداية ،
سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد ، فكيف إذا زكاه خالقه
العليم بذات الصدور .
{ربنا
أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}
اللهم اجعلنا ممن يحب صحابة رسولك صلى
الله عليه وسلم ، ويدافع عنهم ، ويتبع منهجهم ، وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر موقع نصرة محمد رسول الله
البحث في تاريخ الصحابة...
أولا : إن الكلام عما شجر بين الصحابة
ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف
والإمساك عما شجر بين الصحابة ، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في
العقيدة ، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ، والسنة لابن أبي عاصم ،
وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني ، والإبانة لابن بطة ، والطحاوية ، وغيرها .
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه
الالتباس والتشويش والفتنة ، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة
وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله ، لصغر سنه أو لحداثة عهده
بالدين . . . لحقيقة ما حصل بين الصحابة ، واختلاف اجتهادهم في ذلك ، فيقع
في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم .
وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية
مقررة عند السلف ، وهي إلا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه
عقولهم .
قال الإمام البخاري رحمه الله : ((
باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا )) . وقال علي رضي الله
عنه : (( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )) .
وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك :
(( وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة . ومثله قول
ابن مسعود : ( ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة
) . ( رواه مسلم ) .
وممن كره التحدث ببعض دون بعض أحمد في
الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو
يوسف في الغرائب . .
)) ، إلى أن قال : (( وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث
يقوي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراده ، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه
الأخذ بظاهره مطلوب ، والله أعلم . ( صحيح البخاري 1 / 41 ، الفتح 1 / 199
-200 ، وراجع أيضا كلاما جيدا للسلمي في كتابة التاريخ 228 ) .
ثانيا : إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما
شجر بينهم ، فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين
الصحابة ، قال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } . وهذه الآية تأمر
المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق ، لكيلا يحكموا
بموجبها على الناس فيندموا .
فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن
الصحابة ، وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى ، خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات
دخلها الكذب والتحريف ، أما من جهة اصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص
يخرج الرواية مخرج الذم والطعن .
وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو
من هذا الباب ، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب ، مثل أبي مخنف لوط بن
يحيى ، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأمثالهما . ( منهاج السنة 5 /
72 ، وانظر دراسة نقدية " مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري / عصر الراشدين
، ليحيى اليحيى ) .
من أجل ذلك لا يجوز أن يدفع النقل
المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف ،
وبعضها يقدح فيما علم ، فإن اليقين لا يزول بالشك ، ونحن تيقنا ما ثبت في
فضائلهم ، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها ، فكيف إذا علم بطلانها . (
منهاج السنة 6 / 305 ) .
ثالثا : إذا صحت الرواية في ميزان
الجرح والتعديل ، وكان ظاهرها القدح ، فليلتمس لها أحسن المخارج والمحاذير .
قال ابن أبي زيد : (( والإمساك عما
شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن
المذاهب )) . ( مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، وانظر تنويرا لمقالة
حل ألفاظ الرسالة للتتائي ) .
وقال ابن دقيق العيد : (( وما نقل
عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه ، فمنه ما هو باطل وكذب ، فلا يلتفت إليه
، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا ، لأن الثناء عليهم من الله سابق ،
وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل ، والمشكوك والموهوم لا يبطل
الملحق المعلوم )) . ( أصحاب رسول الله ومذاهب الناس فيهم لعبد العزيز
العجلان ص360 ) .
هذا بالنسبة لعموم ما روي في قدحهم .
رابعا : أما ما روي على الخصوص فيما
شجر بينهم ، وثبت في ميزان النقد العلمي ، فهم فيه مجتهدون ، وذلك أن
القضايا كانت مشتبهة ، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ظهر لهم بالاجتهاد أن
الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه ،
فيما اعتقدوه ، ففعلوا ذلك ، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة
إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده .
القسم الثاني : عكس هؤلاء ، ظهر لهم
بالاجتهاد إن الحق مع الطرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه .
القسم الثالث : اشتبهت عليهم القضية ،
وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين ، فاعتزلوا الفريقين ،
وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم
حتى يظهر أنه مستحق لذلك . ( مسلم بشرح النووي 15 / 149 ، 18 / 11 ، وراجع
الإصابة 2 / 501 ، فتح الباري 13 / 34 ) .
أيضا من المهم أن نعلم أن القتال الذي
حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة ، فإن أهل الجمل
وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام
دون علي ، ولا قال ذلك طلحة والزبير ، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من
العلماء ، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه ،
وهو من باب قتال أهل البغي والعدل ، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام
، لا على قاعدة دينية ، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين . ( منهاج السنة 6
/ 327 ) .
ويقول عمر بن شبه : (( إن أحدا لم
ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ، ولا دعوا أحدا ليولوه
الخلافة ، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص
منهم )) . ( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56 ) .
ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي : (( أن أبا
مسلم الخولاني وأناسا معه ، جاءوا إلى معاوية، وقالوا : أنت تنازع عليا أم
أنت مثله ؟ . فقال : لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني ، وأحق بالأمر مني
، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمته ، والطالب بدمه ،
فائتوه فقولوا له ، فليدفع إلي قتلة عثمان ، وأسلم له . فأتوا عليا ،
فكلموه ، فلم يدفعهم إليه )) . ( سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 140 ، بسند
رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط ) .
وفي رواية عند ابن كثير : (( فعند ذلك
صمم أهل الشام على القتال مع معاوية )) . ( البداية والنهاية 8 / 132 ،
وانظر كلاما لإمام الحرمين وتعليقا للتباني عليه - إتحاف ذوي النجابة ص 152
) .
وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم
ما دخلوا في فتنة .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : ((
حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن علية ،حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن
سيرين ، قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ،
فما حضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين )) .
قال ابن تيمية : (( وهذا الإسناد من
اصح إسناد على وجه الأرض ، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته ،
ومراسيله من أصح المراسيل )) . ( منهاج السنة 6 / 236 ) .
فأين الباحثون المنصفون ليدرسوا مثل
هذه النصوص الصحيحة ، لتكون منطلقا لهم ، لا أن يلطخوا أذهانهم بتشويشات
الإخباريين ، ثم يؤولوا النصوص الصحيحة حسب ما عندهم من البضاعة المزجاة .
خامسا : ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول
الفتن التي وقعت بين الصحابة - مع اجتهادهم فيها وتأولهم - حزنهم الشديد
وندمهم لما جرى ، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه ، وتأثر
بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه ، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر
سيصل إلى القتال ، وإليك بعض من هذه النصوص :
هذه عائشة أم المؤمنين ، تقول فيما
يروي الزهري عنها : (( إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني ، ولم أحسب أن
يكون بين الناس قتال ، ولو علمت ذلك لم اقف ذلك الموقف أبدا )) . ( مغازي
الزهري ) .
وكانت إذا قرأت { وقرن في بيوتكن }
تبكي حتى يبتل خمارها . ( سير أعلام النبلاء 2 / 177 ) .
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،
يقول عنه الشعبي : (( لما قتل طلحة ورآه علي مقتولا ، جعل يمسح التراب عن
وجهه ، ويقول : عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدّلا تحت نجوم السماء . . ثم
قال : إلى الله أشكو عجزي وبجري . - أي همومي وأحزاني -وبكى عليه هو
وأصحابه ، وقال : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة )) . ( أسد الغابة
لابن الأثير 3 / 88 - 89 ) .
وكان يقول ليالي صفين : (( لله در
مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك - وهما ممن اعتزل الفتنة - إن كان برا
إن أجره لعظيم ، وإن كان إثما إن خطره ليسير )) . ( منهاج السنة 6 / 209 ) .
فهذا قول أمير المؤمنين ، رغم قول أهل
السنة أن عليا ومن معه أقرب إلى الحق . ( فتح الباري 12 / 67 ) .
وهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه -
وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - يقول :
(( إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها )) ، فقال مولاه : أتسميها فتنة
وتقاتل فيها ؟! قال : (( ويحك ، إنا نبصر ولا نبصر ، ما كان أمر قط إلا
علمت موضع قدمي فيه ، غير هذا الأمر ، فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر
)) . ( فتح الباري 12 / 67 ) .
وهذا معاوية رضي الله عنه ، لما جاءه
نعي علي بن أبي طالب ، جلس وهو يقول : (( إنا لله وإنا إليه راجعون ، وجعل
يبكي . فقالت امرأته : أنت بالأمس تقاتله ، واليوم تبكيه ؟! . فقال : ويحك ،
إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره )) . وفي
رواية (( ويحك ، أنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم )) . (
البداية والنهاية 8 / 15 - 133 ) .
وبعد هذه المنقولات كلها ، كيف يلامون
بأمور كانت متشابهة عليهم ، فاجتهدوا ، فأصاب بعضهم وأخطأ الآخرون ،
وجميعهم بين أجر وأجرين ، ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى .
وما حصل بينهم من جنس المصائب التي
يكفر الله عز وجل بها ذنوبهم ، ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم ، قال صلى الله
عليه وسلم : (( لا يزال البلاء بالعبد ، حتى يسير في الأرض وليس عليه خطيئة
)) . ( رواه الترمذي 2398 وقال حسن صحيح ، وحسنه ابن حبان والحاكم وسكت
عنه الذهبي 1 / 41 ، وحسنه الألباني - المشكاة 1 / 492 من حديث سعد ، وصححه
في الصحيحة 144 ، وانظر شواهده 143 145 ، وراجع الفتح 10 / 111 - 112 ) .
وعلى أقل الأحوال ، لو كان ما حصل من
بعضهم في ذلك ذنبا محققا ، فإن الله عز وجل يكفره بأسباب كثيرة ، من أعظمها
الحسنات الماضية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم ، والمصائب المكفرة ،
والاستغفار ، والتوبة التي يبدل بها الله عز وجل السيئات حسنات ، ذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . ( للتوسع راجع منهاج السنة6 /
205 فقد ذكر عشر أسباب مكفرة ) .
سادسا : نقول أخيرا أن أهل السنة
والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز
عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر
منهم إن صدر ، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه ، أو أتى
بحسنات تمحوه ، أو غفر له بسابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ،
وهم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان
هذا في الذنوب المحققة ، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها : إن أصابوا
فلهم أجران ، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور .
ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم
قليل نادر ، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة
وعلم نافع وعمل صالح . ( أنظر شرح العقيدة الواسطية لخليل هراس 164 -167 )
.
يقول الذهبي رحمه الله : (( فالقوم
لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم ، وجهاد محاء ، وعبادة ممحصة ، ولسنا
ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة )) . ( سير أعلام النبلاء 10 /
93 ، في ترجمة الشافعي ).
إذن ، فاعتقادنا بعدالة الصحابة لا
يستلزم العصمة ، فالعدالة استقامة السيرة والدين ، ويرجع حاصلها إلى هيئة
راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا ، حتى تحصل ثقة
النفس بصدقه . . . ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي .
ومع ذلك يجب الكف عن ذكر معايبهم
ومساوئهم مطلقا - كما مر سابقا - ، وإن دعت الضرورة إلى ذكر زلة أو خطأ
صحابي ، فلا بد أن يقترن بذلك منزلة هذا الصحابي من توبته أو جهاده وسابقته
- فمثلا من الظلم أن نذكر زلة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه دون ذكر
توبته التي لو تابها صاحب مكس لقبل منه . . . وهكذا . ( الإمامة لأبي نعيم
340، ومنهاج السنة 6 / 207 ) .
فالمرء لا يعاب بزلة يسيرة حصلت منه
في من فترات حياته وتاب منها ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا ينقص البداية ،
سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد ، فكيف إذا زكاه خالقه
العليم بذات الصدور .
{ربنا
أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}
اللهم اجعلنا ممن يحب صحابة رسولك صلى
الله عليه وسلم ، ويدافع عنهم ، ويتبع منهجهم ، وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر موقع نصرة محمد رسول الله
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: أصحاب الرسول :: عقيدتنا في الصحابة _ محمد بن عبد الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى