هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: السيرة النبوية :: قبسات من السيرة
صفحة 1 من اصل 1
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة:
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة:
أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (( إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ
لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ )) فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ
الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
إِلَى الْمَدِينَةِ... ))
وفي صحيح مسلم: (( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ))
أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قالا: (( لما
صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله
له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من
المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه ونالوا منهم مالم يكونوا
ينالون من الشتم والأذى فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم
واستأذنوه في الهجرة فقال: (( قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين
لابتين وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي )) ثم مكث
أياماً، ثم خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: (( قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي
يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها )) فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون
ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك... ))
طلائع المهاجرين:
أخرج البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (( أَوَّلُ مَنْ
قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا
يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ
ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ يَقُلْنَ
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى: 1) فِي سُوَرٍ مِنَ
الْمُفَصَّلِ )).
الدروس والعظات:
1- كان المهاجرون ينتظرون الفرج بفارغ الصبر من هذا الأذى الذي تصبه
عليهم قريش، فما كاد أن ينتهي الرسول صلى الله عليه وسلم من قص رؤياه في
الهجرة إلى المدينة حتى بادروا بالخروج إليها تاركين وراءهم أهلهم وأموالهم
وبلادهم، فراراً بدينهم إلى الله.
2- ترتيب عملية الهجرة، بحيث يخرجون مثنى وثلاث.
3- العمل للدين واجب الجميع، والمبادرة إلى فعل الخير في أي مكان حل
فيه المسلم فهو كالغيث حيثما وقع نفع، فطليعة المهاجرين فتحوا حلقات
للتعليم فور وصولهم المدينة.
4- التعليم للجميع فلم يقتصر تعليم المهاجرين على كبار الأنصار بل شمل الأطفال أيضاً.
5- حرص الأنصار على تعليم أطفالهم وتربيتهم على دين الله (( فما جاء حتى قرأت سبح )).
6- مشاركة الأطفال في الأفراح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية لهم على حب الله ورسوله.
هجرة عمر وعياش
هجرة عمر وعياش
قال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن
عبد الله عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (( اتعدت لما أردنا
الهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضُب من
أَضاة بني غفار، فوق سَرِف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض
صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنا هشام،
وفتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو
جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما
وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة، فكلماه وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا
تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك
القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت،
ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال: فقال: أبر بقسم أمي ولي هنالك مال
فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي
ولا تذهب معهما.
قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك
قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة
ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها. فخرج عليها معهما،
حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا ابن أخي، والله لقد استغلظت
بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى قال: فأناخ وأناخا ليتحول
عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة،
وفتناه فافتتن.
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة:
أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهاراً موثقاً، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا
فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع،
عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه، قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن
افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء
أصابهم!
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة، أنزل الله تعالى فيهم، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَتِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ
الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا
أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: 53 -
55).
قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام ابن العاصي.
قال:
فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب
ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهّمنيها قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها
إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى
بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة )).
وهذا يضعف الرواية التي تذكر هجرة عمر علانية،
وأنه تنكب قوسه وجاء إلى المسجد فقال لقريش: من أراد أن تثلكه أمه... الخ،
فإن مدار هذه القصة على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن
القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي رضي الله
عنه، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل
لم يذكرهم مطلقاً، كذا قال الألباني في كتابه (( دفاع عن السنة والسيرة
النبوية ))().
الدروس والعظات:
1- ترتيب عمر وأصحابه لهجرتهم واختيار الوقت
المبكر لها، والاتعاد في مكان بعيد عن الأنظار خارج مكة، دلالة على ملاحقة
المشركين للمهاجرين ودقة متابعتهم لهم ومنعهم من السفر.
2- عدم تأثير العاطفة على التخطيط والتنظيم، فقد انطلق عمر وعياش لما تأخر عليهم هشام فلم يبقوا في انتظاره.
3- قيام قريش بسجن وحجز كل من تعلم بهجرته كما فعلت مع هشام.
4- كل الخلق يكبدون ويتعبون، ولكن شتان بينهم،
فهذا يتعب ويكبد لدعوة، وذاك لنـزوة كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا
تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ
اللهِ مَالا يَرْجُونَ} (النساء: 104)، وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا
الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}
(الانشقاق: 6)، وفي حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ
فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))() فلقد تعب المسلمون المهاجرون وتكبدوا
عناء الطريق في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته، كذلك تعب أبو جهل وأخوه
وتكبدا عناء الطريق إلى المدينة في سبيل الشيطان.
5- وفي قصة أبي جهل مع عياش، بيان ما ينبغي عليه المسلم من الحذر الشديد من الأساليب الكيدية التي يستخدمها العدو.
6- الحذر من أساليب الاستعطاف التي قد يلجأ إليها العدو في الكيد للمؤمنين (( إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط... )).
7- فطنة عمر حيث أدرك مباشرة كيد أبي جهل لعياش.
8- نصح عمر لعياش وتوجيهه ولفت نظره عن الوقوع في شراك المخادعة.
9- إنه مهما خالفك أخوك المسلم في رأيك ولم
يأخذ بتوجيهك ونصحك فلا يعني ذلك التخلية بينه وبين عدوه وتركه وحده يلاقي
مصيره، فعمر رضي الله عنه لم يتخلَّ عن عياش على الرغم من تركه لنصيحته بل
بذل له نصف ماله لإقناعه، فلما لم يرض بالمرة الثانية، لم يغضب عليه ويقل:
اذهب وستجد مصيرك، بل إنه أعطاه راحلته للنجاة عليها، وفي هذا استرخاص
الأموال في سبيل نصرة أهل الإسلام.
10- عدم الثقة بالكافر مهما كانت قرابته، كما
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل
عمران: 118)، وقال تعالى: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى
قُلُوبُهُمْ} (التوبة: ، فالكفار لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً، فهذا
أخوهم وقد أمّناه ومع ذلك يوثقانه ويسخران منه أمام الناس.
11- استغلال الطاغية الكافر إذلال قريبه لتحريض الناس على جميع المؤمنين.
12- اهتمام عمر بأمر إخوانه الذين افتتنوا وفرحه الشديد بتوبة الله عليهم، ومكاتبتهم بذلك.
13- عظمة الإيمان في قلوب الصحابة، وكبر الذنوب
في أعينهم، جعلهم يظنون أن من أجاب الكفار مكرهاً فإن الله لا يقبل منهم
صرفاً ولا عدلاً
مؤتمر دار الندوة
مؤتمر دار الندوة:
إنّ لاجتماع قريش للتشاور في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
شاهداً من كتاب الله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال: 30)، ومما يقوي اجتماعات
قريش في دار الندوة استفاضتها، وورودها من عدة طرق، يشد بعضها بعضاً().
قال
ابن إسحاق: (( ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له
شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم،
عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
خافوه )).
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي
نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما قال: (( لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة
ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي
اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ
جليل، عليه بتلة، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا:
من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما
تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا: أجل، فادخل، فدخل
معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش، من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن
ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير
بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن
الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام، وزَمعة بن
الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن
بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم
وغيرهم ممن لا يعد من قريش )).
وبعد تداول الآراء وتقليب وجهات النظر اتفقوا على قتل رسول الله صلى
الله عليه وسلّم باختيار شاب من كل قبيلة ينفذون الخطة حتى يضيع دمه بين
القبائل.
قصة أم معبد و الاحتياطات التى اتخذت للهجرة
قصة أم معبد:
وطرقها ما بين ضعيفة وواهية إلا طريقاً واحدة
يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها: (( لما انطلق رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال: والله ما لنا شاة،
وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسبه: فما تلك الشاة؟ فأتى بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبركة عليها، ثم حلب عُسًّا فسقاه، ثم شربوا، فقال: أنت الذي يزعم قريش
أنك صابئ؟ قال: إنهم ليقولون، قال: أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك،
قال: لا حتى تسمع أنّا قد ظهرنا، فاتبعه بعد )).
الترتيبات والاحتياطات التي اتخذت للهجرة:
لقد جاءت خطة الهجرة والترتيب لها في غاية الإحكام والدقة في أخذ الحيطة وقد تمثلت في النقاط التالية:
1- اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة كما في البخاري.
2- التعريض له بالخبر، فلم يقطع له النبي صلى
الله عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال: (( لعل الله يجعل لك
صاحباً )) كما في البخاري.
3- إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة، إذ
لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك، وماذا يريد
أبو بكر بهاتين الراحلتين إلا لأمر بيته مع محمد؟ وبخاصة بعد تفاقم الأزمة
واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية، وهذه رواية البخاري.
4- دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة، كما في البخاري.
5- زيارة أبي بكر كل يوم، فقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم لا يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية، وعلى هذا لم يكن
الأمر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط للهجرة، كما في البخاري.
6- تغيير الوقت المعتاد للزيارة، ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد، كما في البخاري.
7- اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم، كما في البخاري.
8- الخروج إلى أبي بكر متنكراً بالقناع حتى لا يعرف، كما في البخاري.
9- الإسرار لأبي بكر بخبر الهجرة، وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية الأمر حيث قال له: أخرج من عندك، كما في البخاري.
10- الإسراع في إعداد الزاد وتجهيزه، كما في البخاري.
11- مبيت علي على الفراش، كما في المسند لأحمد.
12- الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد، كما في رواية ابن إسحاق.
13- الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة، فالأصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة، فخرجوا جهة الجنوب، كما في البخاري.
14- اختيار الغار حيث البعد عن الأنظار للاختفاء فيه، كما في البخاري.
15- البقاء في الغار ثلاثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما، كما في البخاري.
16- التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة.
17- اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في
متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما، فقد اختاروا شاباً قد لا يلفت
نظرهم، ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ولا يفوته شيء، كما في
البخاري.
18- متابعة الأخبار أولاً بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم، فالحدث لا يستحمل التأخير أكثر من هذا، كما في البخاري.
19- ترتيب مجيء المخبر وانصرافه، سواء في وقت المجيء والانصراف، أو في طريقة الذهاب والإياب، كما في البخاري.
20- إسناد مهمة الإتيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة، كما في البخاري.
21- ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه، كما في البخاري.
22- اتباع عامر بن فهيرة أثر عبد الله بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره، كما هو عند ابن إسحاق.
23- اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية، كما في البخاري.
24- الخروج من الغار آخر الليل، كما في البخاري وعند موسى بن عقبة.
25- سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة، كما في البخاري.
26- اصطحاب عامر للخدمة.
27- مواصلة السير بدون توقف، كما في البخاري.
28- تأخير وقت الراحة، كما في البخاري.
29- حمل أبي بكر جميع ماله، ومن فوائد ذلك أن
أبا بكر كان رجلاً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك
المال، وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلاف، كما عند ابن إسحاق، وتقدير
المبلغ رواه أحمد والحاكم.
الدروس والعظات من الهجرة
الدروس والعظات من الهجرة:
1- تقدم إسلام آل أبي بكر (( لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين )).
2- اهتمام أبي بكر بأهل بيته وإصلاحهم والبدء بهم قبل غيرهم.
3- منـزلة أبي بكر من النبي صلى الله عليه وسلم
وصلته الوثيقة به، ومعايشته لأمر الدعوة منذ بزوغ فجرها، فقد كان عليه
الصلاة والسلام يزوره كل يوم مرتين.
4- إن تفكير أبي بكر في الخروج من مكة مهاجراً
لوحده مع منـزلته وأهميته للدعوة وصلته الوثيقة بالرسول صلى الله عليه
وسلم، ليكشف عن مدى الأذى والشدة التي تلحقها قريش بالمسلمين، هذا مع أن
أبا بكر من الأشراف ومن الذين يجدون منعة في قومهم فكيف بالضعفاء
والعبيد!!.
5- أن أمن الدين هو الأصل عند المسلم فإن وجد
عليه خطراً دفع بلده وماله وأهله حماية لدينه، ولهذا خرج أبو بكر مهاجراً
وحده تاركاً كل شيء خلف ظهره يطلب الأمان لدينه ودعوته.
6- بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكن فيه من
إظهار دينه ودعوته فيه، ولهذا خرج أبو بكر على الرغم من أفضلية بلده على
سائر البلدان، وعلى المسلم أن لا يركن إلى الذل والهوان بل يعمل تفكيره في
الخروج من الحصار المضروب على دينه ودعوته، ويبحث عن موطن موافق أو مسالم
لها، حتى يتمكن من تحقيق عبوديته لله تعالى.
7- التقارب والتشابه بين صفات الرسول صلى الله
عليه وسلم وصفات أبي بكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قالت له خديجة:
(( كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري
الضيف... )) وأبو بكر يقول له ابن الدغنة: (( مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا
يخرج، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف... )).
8- ينبغي للمسلم أن ينافس على خصال الخير
المتعدية فإن هذا أدعى لرضا الله تعالى عنه، وقبول الخلق ما لديه، وكما قيل
في وصف أهل السنة والجماعة (( أعلم الناس بالحق وأرحمهم للخلق )) ونفع
الناس أعظم من نوافل العبادات (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ
كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا
يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ )).
9- إن الأعمال المتعدية تكسب الثقة والمنـزلة
في قلوب الناس مهما كانوا، فالناس لا ينظرون إلى العبادات الشخصية بقدر ما
يراعون تجاوب الرجل مع مشاكلهم، ومشاركته الفاعلة في حياتهم.
فأبو بكر كسب ثقة ابن الدغنة وهو مشرك، فأجاره ورد على قريش على ملأ منهم، ولم يستطيعوا التنكر لذلك لشهرة تلك الصفات عن أبي بكر.
10- تقدير العرب للعادات الكريمة والصفات
الحميدة وقيام العظماء والشرفاء في صف صاحبها، وهذا يفسر قول الرسول صلى
الله عليه وسلم: (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))()، وقول الله تعالى:
{اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: 124).
11- الاستفادة من تقاليد المجتمع وأنظمته في
خدمة الدعوة بما لا يتعارض مع أوامر الله ورسوله، فقد تجاوب أبو بكر مع ابن
الدغنة، واستفاد من جواره، ورجع إلى بيته.
12- مصادرة صوت الحق وتجفيف منابعه، فالكفار لم
يكتفوا بتشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبث الدعايات
الكاذبة عليهم، وإيراد الإيرادات الواهية على منهجه وتعاليمه، لأنهم يعلمون
أن الناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم، بل إن أول الناس بعداً عن
الاقتناع بطرحهم هم أبناؤهم ونساؤهم، فالدعايات لا تغير كل قناعات الناس،
ولهذا وعلى الرغم من تلك المحاربة الإعلامية والعقبات الكبيرة التي وضعتها
قريش أمام الدعوة، فإنها تخشى على أبنائها ونسائها من سماع صوت الحق
فيقتنعوا به.
13- الكفار وأهل الباطل يصادرون حريات التفكير
ولا يجعلون للناس مجالاً للاختيار، أو فرصة في المعرفة، بل يعتبرون سواهم
ليسوا على مستوى معرفة المصالح والمفاسد، ويجعلون لهم وحدهم تلك المعرفة
وما على المجتمع إلا اتباعهم والانقياد لما يرسمون ويخططون لهم، فهم يفكرون
عنهم ويوقعون بالنيابة عنهم ويسالمون ويعادون بالوكالة!! وإلا فيا معشر
قريش أليس أبناؤكم وعبيدكم ونساؤكم منكم فلِمَ تمنعونهم من سماع صوت الحق
أم ليسوا على مستوى النقد والتمييز مثلكم.
وفي هذا درس لأهل العلم
والدعوة، فلا ينبغي أن يضيرهم تشويه صورتهم وإيذاؤهم، ومصادرة حرياتهم
وكلماتهم، فيسري إليهم اليأس فيتصوروا عدم قبول الناس لهم بسبب تلك
الدعايات المضللة، فهاهم أبناء قريش ونساؤهم يغدون على أبي بكر لسماع
القرآن الذي طالما سمعوا الكلام الباطل فيه وطالما حاولت قريش التشويش
عليه!!.
فمهما بلغت دعايات أهل الباطل واتهاماتهم ومحاربتهم للدين
وللدعوة فإن للحق طلاباً، والناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم،
فدعايات الباطل لم تؤثر في نساء قريش وأبنائهم فضلاً عن الآخرين.
14- الجهر بالحق والدعوة إليه هو الأصل في هذا
الدين، والاستسرار والكتمان والاختفاء بالعبادة طارئ يلجأ إليه لوقت محدود،
ولظرف طارئ، ولمصلحة راجحة، أما أن يبقى المسلم دائماً مختفياً فهذا
يتنافى مع دعوته التي أمر أن يخرج الناس بها من الظلمات إلى النور، وإن
تعرض للأذى، ولهذا بنى أبو بكر مسجداً بفناء بيته واستعلن في صلاته
وقراءته.
15- إن جميع الكفار في كل العصور على اختلاف
مللهم ونحلهم لا يمانعون من قيام الرجل بعبادة فردية داخل منـزله ولا يعلن
بذلك، لأنهم يعلمون زيف معتقدهم وفساد منهجهم وضمور آرائهم، وأنه يمكن
تحطيمها بمجرد الإعلان بقراءة القرآن بفناء البيت، فمبادئهم لا تقف لحظة
أمام الحق، كالظلام الضارب أطنابه على الأرض سرعان ما ينقشع أمام شعلة
النور.
16- لقد فزعت قريش من تأثر الناس بأبي بكر
وصلاته وهو لا يملك أي وسيلة إعلامية، ولم يتقدم بدعوة أحد، أو يعقد مجلس
مناظرة أو حوار مع ذرياتهم.
17- وصف الكفار وأهل الباطل لكل ما يخالف هواهم
ومذهبهم بأنه فتنة للناس، قالت قريش عن أبي بكر: (( فإنا خشينا أن يفتن
نساءنا وأبناءنا )) فأبو بكر يثير الفتن في مفهوم قريش العقيم، فالكفار لا
يبالون بالتزوير وتغيير الحقائق وإطلاق الألفاظ غير المحسوبة على ما
يشاؤون، وإلا متى كان الحق والخير والصلاح فتنة للنساء والأبناء.
18- يعتبر من صلى جهاراً وقرأ القرآن علانية
ولوكان داخل فناء منـزله قد تعدى وتجاوز في نظر قريش فترفع لابن الدغنة
احتجاجها بأن أبا بكر: (( قد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره )).
19- عجباً لأهل الباطل لا يكفيهم حكم الأرض ومن
عليها، بل يرون أن لهم الحق حتى في تفكير الناس وآرائهم وليس لهم الحق حتى
في قراءاتهم في منازلهم، فقريش لن تقر لأبي بكر أن يقرأ بفناء بيته
ولنفسه، فهي تقول لابن الدغنة: (( ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان )) وقد
أراد فرعون أن يتحكم في القلوب كما قال للسحرة لما آمنوا: في قوله تعالى:
{آمنتم له قبل أن آذن لكم}.
20- يضفي أهل الضلال القداسة على مبادئهم
وعاداتهم وتقاليدهم الباطلة، ويوقعون العقوبة على من خالفها، ولكن متى بدت
لهم مصلحة أو لاح لهم في الأفق منفعة ضربوا بأنظمتهم عرض الحائط، وعندهم
استعداد للانقسام والانشطار متى ما تعرضت مصالحهم للخطر، فعند ذلك فلا عهد
ولا ذمة وإن كان المخالف من الرفاق والأصحاب، فهذه قريش تنوي خفر ذمة ابن
الدغنة ونبذ عهده لمجرد مخالفة بسيطة في المعاهدة، فبدلاً من أن يصلي أبو
بكر داخل البيت صلى في فناء البيت، فطلبوا ابن الدغنة وقالوا له في صيغة
التهديد: (( فإنا كرهنا أن نخفرك )).
21- قد يقوم فاجر بالحدب على المسلم والدفاع
عنه وقد يبدي احترامه لفكرته أو رأيه، ولكن مما ينبغي التفطن له أن هذا لا
يكون إلا بصورة محدودة وبما لا يتعارض مع مصلحته وسمعته، وأنه عنده
الاستعداد للتخلي عن حمايته بمجرد تعرض سمعته إلى خطر، فهذا ابن الدغنة لما
هددته قريش بسمعته طلب من أبي بكر رد جواره وقال له: (( فإني لا أحب أن
تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له )).
22- التوكل على الله والانتصار به والالتجاء
إليه والثقة بنصره هو معتقد المسلم الذي لا يفارقه أبداً، مع الشجاعة ونبذ
الخوف من المخلوقين ما دام يأوي إلى ركن شديد قال أبو بكر لابن الدغنة
(( أرد جوارك وأرضى بجوار الله )) قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)، وقال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
المُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم: 12)، وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ
الَّذِي لا يَمُوتُ} (الفرقان: 58)، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: (( حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم
حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد
جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل )).
23- لقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه
بالهجرة ولم يختر صاحباً له في الهجرة غير أبي بكر، وفي هذا دلالة على عظم
الصلة وقوة الرابطة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم: (( على رسلك،
فإني أرجو أن يؤذن لي )).
24- لقد تجهز أبو بكر للهجرة ثانية بنفسه إلى
المدينة، ولكن بعدما عرّض له الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحبة جلس وتحمل
الأذى والعنت والتعب من قريش طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة في
مصاحبته (( فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه )).
25- مبادرة أبي بكر في الترتيب لأمر الهجرة،
وبذل المال في خدمة دعوته بدون طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قام
مباشرة بعد تعريض الرسول صلى الله عليه وسلم له بالصحبة بتعليف راحلتين
كانتا عنده، إذ مثل هذا من بدهيات الهجرة فلا تحتاج إلى أمر يتلقاه من
الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يكن يربيهم تربية العبيد تربية الخنوع وإلغاء العقل مع المتبوع.
26- مقابلة التخطيط بالتخطيط، والتنظيم
بالتنظيم، والترتيب بالترتيب، فقريش تخطط وترتب للإيقاع بالدعوة، بينما
الرسول صلى الله عليه وسلم يخطط ويرتب للنجاة بها، وهذا يوضح أن الاستسرار
فيما يخدم الإسلام بما لا يتعلق به بلاغ ولا بيان ولا يترتب على إسراره
كتمان للدين أو سكوت عن حق من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يتعارض التخطيط وأخذ الحيطة مع التوكل على الله تعالى، لأن الأخذ بالأسباب جزء من التوكل على الله تعالى.
27- وإن من أعظم مظاهر التضحية في هذه الهجرة
أن يغادر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون هذا البلد الأمين الحبيب إلى
قلوبهم -بل وإلى قلوب جميع المسلمين- مغادرة يعلمون أن لا استقرار لهم فيه
بعدها، وهذا من أشق الأمور على النفس، ولكن رجال العقيدة يسترخصون في
سبيلها كل غال.
ولقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى -معنى
صعوبة مغادرة مكة وفراقها فراقاً لا سكنى بعده- في العديد من المواقف
المؤثرة.
عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم واقفاً على الحَزْورة فقال: (( والله والله إنك لخير أرض
الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )).
28- تربية أبي بكر رضي الله عنه لأسرته على
الأمانة ونصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما يملكون في سبيل ذلك، وكان
واثقاً أتم الثقة بتربيته فقال للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بإخراج
من عنده: (( لا عين عليك ))، (( إنما هم أهلك يا رسول الله )).
29- الرغبة في مصاحبة أهل الخير مهما ترتب على ذلك من أخطار، قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: (( الصحبة يا رسول الله )).
30- منـزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند أبي بكر أوصلته إلى البكاء من الفرح لما أخبره بمصاحبته في الهجرة.
31- الرغبة في المساهمة في طريق الخير وعدم
الاعتماد على الآخرين في ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أبى أن يركب
راحلة ليست له حتى اشتراها من أبي بكر بالثمن، حتى تكون هجرته بماله ونفسه
رغبة في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما.
32- أسرة أبي بكر تشارك بمجموعها في إنجاح خطة الهجرة النبوية.
33- الاستفادة من خبرات وطاقات المجتمع
وتوظيفها في المجالات المناسبة، فعبد الله بن أبي بكر للأخبار، وعامر
للشراب، وأسماء وعائشة لتجهيز الطعام وهكذا.
34- الاستفادة من خبرات المشركين إذا أمن
حالهم، ولم يكن لهم شوكة في التأثير على القرار، وعرفوا واشتهروا بما يراد
منهم، ولم يكن أحد من المسلمين يسد هذه الوظيفة، وكانت عاداتهم وتقاليدهم
تفرض عليهم الأمانة في أداء تلك المهمة.
35- اتخاذ الأسباب والاحتياطات التامة، ثم
التوكل على الله تعالى والثقة المطلقة به والاطمئنان لنصره، وعدم الاتكال
على الأسباب ذاتها، قال أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا
قال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )).
36- إن نصر الله فوق كل نصر، وقدرة الله فوق كل
قدرة، وأمر الله فوق كل أمر، وتأييده يتحدى كل قدرات البشر وطاقاتهم، فهذه
قريش صاحبة السلطة وتحت يدها السلاح والرجال والأموال ومع ذلك لم تستطع أن
تهتدي إليهم في الغار.
37- اهتمام أبي بكر بالرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على نفسه، فقد ذهب يبحث له في الطريق عن ظل يقيل فيه.
38- لقد استولت سلامة الرسول صلى الله عليه
وسلم على جل تفكير أبي بكر، فما أن وجد ظلاً يقيل فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلا وقام بتجهيزه وتنظيفه حتى يضطجع فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أما هو فقد نسي نفسه من القيلولة وذهب ينظر (( هل يرى من طلب )).
39-
الأدب الجم وحسن المخاطبة مع الأمانة يتجلى ذلك في مخاطبة أبي بكر لراعي
قريش لعله يحلب لهم، مع أن الركب في حال حرب مع قريش وقد سطت قريش على
أموال المسلمين وبيوتهم.
40- اهتمام أبي بكر بغذاء الرسول صلى الله عليه
وسلم من حيث النظافة والحالة الجيدة وتقديمه على نفسه في ذلك مع فرحه
بشربه، على الرغم مما هو فيه من الشدة والخوف، فقد أمر الراعي بتنظيف يديه،
ثم جعل الحليب في إناء برّده فيه، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (( ثم شرب حتى رضيت )).
41- أدب أبي بكر في مخاطبته للرسول صلى الله عليه وسلم (( آن الرحيل يا رسول الله )).
42- تعميم قريش على جميع القبائل في القبض على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.
43- بذل قريش المال لرصد المعلومات ومضايقة الأخيار وهذا أسلوب يستمال به ضعاف النفوس.
44- رصد جائزة كبيرة لمن أتى بهم، ولا شك أن
هذه الجائزة لا يفي بها مال رجل واحد من قريش، وإنما أثقلت كاهل عدد من
الأشراف، ولكن لا بأس بذلك ما دام الهدف هو القضاء على الإسلام، فلترصد
ميزانية هذا العام وليعش الناس في تقشف. قال سراقة: (( جاءنا رسل كفار قريش
يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما )).
45- من الدلائل على أن الجائزة المرصودة مغرية استنفار جميع القبائل للبحث عنهما، وتعتيم سراقة على قومه حتى يحظى بها وحده.
46- نجاح خطة وترتيبات الهجرة النبوية، فعلى
الرغم من حرص قريش وتعميمها على القبائل وبذل الأموال في سبيل ذلك إلا أنه
لم يدركهم منهم أحد غير سراقة.
47- لقد كان أبو بكر قلقاً على حياة رسول الله
من أن يصيبها أذى، ولذلك يكثر الالتفات، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد كان واثقاً من نصر ربه له، مطمئناً إلى ذلك لم يعبأ بالخطر مع قربه
منه، ولم يستحق منه مجرد الالتفات، قال أبو بكر: (( هذا الطلب قد لحقنا يا
رسول الله فقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة: 40) )).
48- لقد قرب سراقة منهم وأصبح الخطر قاب قوسين
أو أدنى، ولكن لا يأس من نصر الله ورحمته وحمايته، إن نصر الله يأتي العبد
من حيث لم يحتسب، وحين يشتد الخطر يقرب الفرج قال سراقة: (( فعثرت بي فرسي
فخررت عنها )) قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ
العُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5 -6)، وقال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ
الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهَمْ نَصْرُنَا} (يوسف:
110).
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
اشتدي أزمة تنفرجي قد آن ليلك بالبلج
49- أصحاب العقائد والمذاهب الباطلة عندهم
استعداد للتخلي عن مبادئهم عند أي مصلحة تلوح في الأفق، فليس لهم مبدأ
يحكمهم، ولا عقيدة يلتزمون بها تنظم حياتهم وتوجههم، فالاستقسام بالأزلام
واتباعها من عقائد المشركين، ولكن ها هو سراقة يستقسم بالأزلام هل يضر
الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه فيخرج لا يضرهم، يفعل ذلك مراراً فيخرج
الذي يكره، فيعصي الأزلام ويلحق بهم لأن مصلحته تقتضي ذلك.
50- القرآن الكريم زاد المسلم في كل حال، فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة الحال وقرب الخطر منه يقرأ القرآن
وينشغل به حتى قرب منه سراقة وسمع تلاوته.
51- إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل كما يقال،
ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال، فهذا سراقة يتحول من
ملاحق لهم إلى مخبر عن كل ما يكاد لهم من مكائد، قال سراقة: (( فأخبرتهم
أخبار ما يريد الناس بهم )) وهكذا نصر الله وتأييده ينقلب به العدو المطارد
لهم إلى ناصح معين.
52- استغناء الرسول صلى الله عليه وسلم عن متاع
سراقة وزاده على الرغم من عرضه عليهم ذلك، قال سراقة: (( وعرضت عليهم
الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني )) وهذأ برهان عظيم لسراقة بأن
الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن تقوده مصلحة دنيوية ومطلب مادي، وإنما
يسعى لهدفٍ سامٍ ينبغي على سراقة أن يعمل ذهنه فيه.
53- توظيف الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة
فيما يخدم الهجرة ولا يضير المسلمين إن لم يفعل ذلك وهو إخفاء أثرهما عن
الناس، فلم يعطه سراً ولم يكل إليه عملاً مهماً.
54- فراسة سراقة وبعد نظره، فقد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب أمان وهو المطارد الملاحق.
55- لقد ملأ الرسول صلى الله عليه وسلم قلبه
وجوارحه ثقة بالله تعالى وتأييده ونصره له فيكتب لسراقة كتاب أمان ولم يقل
كيف تطلب ذلك مني وأنا الشريد المطارد.
56- توجه الصحابة إلى التجارة والاستغناء عن
الخلق والاعتماد على النفس، وتمويل الدعوة ذاتياً، فقد خرج الزبير مع بعض
المسلمين تجاراً إلى الشام وفي طريق رجوعهم التقوا بالرسول صلى الله عليه
وسلم وهو في طريق الهجرة.
57- شدة اهتمام الأنصار بالهجرة النبوية، وترقبهم لوصول القافلة الشريفة، واتخاذ جميع الترتيبات والاحتياطات الأمنية لاستقباله.
58- وفي إلحاح والد البراء بن عازب على أبي بكر بإخباره بأمر الهجرة دلالة على اهتمام الصحابة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
59- لا بأس بالحديث عن العمل الصالح إذا عزم
عليه أخوه المسلم، وكان يرجى من ذكره النفع والفائدة، كما عزم عازب على أبي
بكر بذلك وتحديث أبي بكر له بأمر الهجرة.
منقول من موقع نصرة محمد رسول الله؟
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة:
أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (( إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ
لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ )) فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ
الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
إِلَى الْمَدِينَةِ... ))
وفي صحيح مسلم: (( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ))
أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قالا: (( لما
صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله
له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من
المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه ونالوا منهم مالم يكونوا
ينالون من الشتم والأذى فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم
واستأذنوه في الهجرة فقال: (( قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين
لابتين وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي )) ثم مكث
أياماً، ثم خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: (( قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي
يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها )) فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون
ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك... ))
طلائع المهاجرين:
أخرج البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (( أَوَّلُ مَنْ
قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا
يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ
ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ يَقُلْنَ
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى: 1) فِي سُوَرٍ مِنَ
الْمُفَصَّلِ )).
الدروس والعظات:
1- كان المهاجرون ينتظرون الفرج بفارغ الصبر من هذا الأذى الذي تصبه
عليهم قريش، فما كاد أن ينتهي الرسول صلى الله عليه وسلم من قص رؤياه في
الهجرة إلى المدينة حتى بادروا بالخروج إليها تاركين وراءهم أهلهم وأموالهم
وبلادهم، فراراً بدينهم إلى الله.
2- ترتيب عملية الهجرة، بحيث يخرجون مثنى وثلاث.
3- العمل للدين واجب الجميع، والمبادرة إلى فعل الخير في أي مكان حل
فيه المسلم فهو كالغيث حيثما وقع نفع، فطليعة المهاجرين فتحوا حلقات
للتعليم فور وصولهم المدينة.
4- التعليم للجميع فلم يقتصر تعليم المهاجرين على كبار الأنصار بل شمل الأطفال أيضاً.
5- حرص الأنصار على تعليم أطفالهم وتربيتهم على دين الله (( فما جاء حتى قرأت سبح )).
6- مشاركة الأطفال في الأفراح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية لهم على حب الله ورسوله.
هجرة عمر وعياش
هجرة عمر وعياش
قال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن
عبد الله عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (( اتعدت لما أردنا
الهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضُب من
أَضاة بني غفار، فوق سَرِف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض
صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنا هشام،
وفتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو
جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما
وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة، فكلماه وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا
تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك
القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت،
ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال: فقال: أبر بقسم أمي ولي هنالك مال
فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي
ولا تذهب معهما.
قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك
قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة
ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب، فانج عليها. فخرج عليها معهما،
حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا ابن أخي، والله لقد استغلظت
بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى قال: فأناخ وأناخا ليتحول
عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة،
وفتناه فافتتن.
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة:
أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهاراً موثقاً، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا
فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع،
عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه، قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن
افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء
أصابهم!
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة، أنزل الله تعالى فيهم، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَتِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ
الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا
أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: 53 -
55).
قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام ابن العاصي.
قال:
فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب
ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهّمنيها قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها
إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى
بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة )).
وهذا يضعف الرواية التي تذكر هجرة عمر علانية،
وأنه تنكب قوسه وجاء إلى المسجد فقال لقريش: من أراد أن تثلكه أمه... الخ،
فإن مدار هذه القصة على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن
القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي رضي الله
عنه، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين، فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل
لم يذكرهم مطلقاً، كذا قال الألباني في كتابه (( دفاع عن السنة والسيرة
النبوية ))().
الدروس والعظات:
1- ترتيب عمر وأصحابه لهجرتهم واختيار الوقت
المبكر لها، والاتعاد في مكان بعيد عن الأنظار خارج مكة، دلالة على ملاحقة
المشركين للمهاجرين ودقة متابعتهم لهم ومنعهم من السفر.
2- عدم تأثير العاطفة على التخطيط والتنظيم، فقد انطلق عمر وعياش لما تأخر عليهم هشام فلم يبقوا في انتظاره.
3- قيام قريش بسجن وحجز كل من تعلم بهجرته كما فعلت مع هشام.
4- كل الخلق يكبدون ويتعبون، ولكن شتان بينهم،
فهذا يتعب ويكبد لدعوة، وذاك لنـزوة كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا
تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ
اللهِ مَالا يَرْجُونَ} (النساء: 104)، وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا
الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}
(الانشقاق: 6)، وفي حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ
فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ))() فلقد تعب المسلمون المهاجرون وتكبدوا
عناء الطريق في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته، كذلك تعب أبو جهل وأخوه
وتكبدا عناء الطريق إلى المدينة في سبيل الشيطان.
5- وفي قصة أبي جهل مع عياش، بيان ما ينبغي عليه المسلم من الحذر الشديد من الأساليب الكيدية التي يستخدمها العدو.
6- الحذر من أساليب الاستعطاف التي قد يلجأ إليها العدو في الكيد للمؤمنين (( إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط... )).
7- فطنة عمر حيث أدرك مباشرة كيد أبي جهل لعياش.
8- نصح عمر لعياش وتوجيهه ولفت نظره عن الوقوع في شراك المخادعة.
9- إنه مهما خالفك أخوك المسلم في رأيك ولم
يأخذ بتوجيهك ونصحك فلا يعني ذلك التخلية بينه وبين عدوه وتركه وحده يلاقي
مصيره، فعمر رضي الله عنه لم يتخلَّ عن عياش على الرغم من تركه لنصيحته بل
بذل له نصف ماله لإقناعه، فلما لم يرض بالمرة الثانية، لم يغضب عليه ويقل:
اذهب وستجد مصيرك، بل إنه أعطاه راحلته للنجاة عليها، وفي هذا استرخاص
الأموال في سبيل نصرة أهل الإسلام.
10- عدم الثقة بالكافر مهما كانت قرابته، كما
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل
عمران: 118)، وقال تعالى: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى
قُلُوبُهُمْ} (التوبة: ، فالكفار لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً، فهذا
أخوهم وقد أمّناه ومع ذلك يوثقانه ويسخران منه أمام الناس.
11- استغلال الطاغية الكافر إذلال قريبه لتحريض الناس على جميع المؤمنين.
12- اهتمام عمر بأمر إخوانه الذين افتتنوا وفرحه الشديد بتوبة الله عليهم، ومكاتبتهم بذلك.
13- عظمة الإيمان في قلوب الصحابة، وكبر الذنوب
في أعينهم، جعلهم يظنون أن من أجاب الكفار مكرهاً فإن الله لا يقبل منهم
صرفاً ولا عدلاً
مؤتمر دار الندوة
مؤتمر دار الندوة:
إنّ لاجتماع قريش للتشاور في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
شاهداً من كتاب الله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال: 30)، ومما يقوي اجتماعات
قريش في دار الندوة استفاضتها، وورودها من عدة طرق، يشد بعضها بعضاً().
قال
ابن إسحاق: (( ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له
شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم،
عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار
الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها -
يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
خافوه )).
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي
نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما قال: (( لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة
ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي
اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ
جليل، عليه بتلة، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا:
من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما
تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا: أجل، فادخل، فدخل
معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش، من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن
ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير
بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن
الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام، وزَمعة بن
الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن
بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم
وغيرهم ممن لا يعد من قريش )).
وبعد تداول الآراء وتقليب وجهات النظر اتفقوا على قتل رسول الله صلى
الله عليه وسلّم باختيار شاب من كل قبيلة ينفذون الخطة حتى يضيع دمه بين
القبائل.
قصة أم معبد و الاحتياطات التى اتخذت للهجرة
قصة أم معبد:
وطرقها ما بين ضعيفة وواهية إلا طريقاً واحدة
يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها: (( لما انطلق رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال: والله ما لنا شاة،
وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسبه: فما تلك الشاة؟ فأتى بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبركة عليها، ثم حلب عُسًّا فسقاه، ثم شربوا، فقال: أنت الذي يزعم قريش
أنك صابئ؟ قال: إنهم ليقولون، قال: أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك،
قال: لا حتى تسمع أنّا قد ظهرنا، فاتبعه بعد )).
الترتيبات والاحتياطات التي اتخذت للهجرة:
لقد جاءت خطة الهجرة والترتيب لها في غاية الإحكام والدقة في أخذ الحيطة وقد تمثلت في النقاط التالية:
1- اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة كما في البخاري.
2- التعريض له بالخبر، فلم يقطع له النبي صلى
الله عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال: (( لعل الله يجعل لك
صاحباً )) كما في البخاري.
3- إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة، إذ
لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك، وماذا يريد
أبو بكر بهاتين الراحلتين إلا لأمر بيته مع محمد؟ وبخاصة بعد تفاقم الأزمة
واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية، وهذه رواية البخاري.
4- دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة، كما في البخاري.
5- زيارة أبي بكر كل يوم، فقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم لا يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية، وعلى هذا لم يكن
الأمر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط للهجرة، كما في البخاري.
6- تغيير الوقت المعتاد للزيارة، ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد، كما في البخاري.
7- اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم، كما في البخاري.
8- الخروج إلى أبي بكر متنكراً بالقناع حتى لا يعرف، كما في البخاري.
9- الإسرار لأبي بكر بخبر الهجرة، وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية الأمر حيث قال له: أخرج من عندك، كما في البخاري.
10- الإسراع في إعداد الزاد وتجهيزه، كما في البخاري.
11- مبيت علي على الفراش، كما في المسند لأحمد.
12- الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد، كما في رواية ابن إسحاق.
13- الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة، فالأصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة، فخرجوا جهة الجنوب، كما في البخاري.
14- اختيار الغار حيث البعد عن الأنظار للاختفاء فيه، كما في البخاري.
15- البقاء في الغار ثلاثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما، كما في البخاري.
16- التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة.
17- اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في
متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما، فقد اختاروا شاباً قد لا يلفت
نظرهم، ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ولا يفوته شيء، كما في
البخاري.
18- متابعة الأخبار أولاً بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم، فالحدث لا يستحمل التأخير أكثر من هذا، كما في البخاري.
19- ترتيب مجيء المخبر وانصرافه، سواء في وقت المجيء والانصراف، أو في طريقة الذهاب والإياب، كما في البخاري.
20- إسناد مهمة الإتيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة، كما في البخاري.
21- ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه، كما في البخاري.
22- اتباع عامر بن فهيرة أثر عبد الله بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره، كما هو عند ابن إسحاق.
23- اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية، كما في البخاري.
24- الخروج من الغار آخر الليل، كما في البخاري وعند موسى بن عقبة.
25- سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة، كما في البخاري.
26- اصطحاب عامر للخدمة.
27- مواصلة السير بدون توقف، كما في البخاري.
28- تأخير وقت الراحة، كما في البخاري.
29- حمل أبي بكر جميع ماله، ومن فوائد ذلك أن
أبا بكر كان رجلاً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك
المال، وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلاف، كما عند ابن إسحاق، وتقدير
المبلغ رواه أحمد والحاكم.
الدروس والعظات من الهجرة
الدروس والعظات من الهجرة:
1- تقدم إسلام آل أبي بكر (( لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين )).
2- اهتمام أبي بكر بأهل بيته وإصلاحهم والبدء بهم قبل غيرهم.
3- منـزلة أبي بكر من النبي صلى الله عليه وسلم
وصلته الوثيقة به، ومعايشته لأمر الدعوة منذ بزوغ فجرها، فقد كان عليه
الصلاة والسلام يزوره كل يوم مرتين.
4- إن تفكير أبي بكر في الخروج من مكة مهاجراً
لوحده مع منـزلته وأهميته للدعوة وصلته الوثيقة بالرسول صلى الله عليه
وسلم، ليكشف عن مدى الأذى والشدة التي تلحقها قريش بالمسلمين، هذا مع أن
أبا بكر من الأشراف ومن الذين يجدون منعة في قومهم فكيف بالضعفاء
والعبيد!!.
5- أن أمن الدين هو الأصل عند المسلم فإن وجد
عليه خطراً دفع بلده وماله وأهله حماية لدينه، ولهذا خرج أبو بكر مهاجراً
وحده تاركاً كل شيء خلف ظهره يطلب الأمان لدينه ودعوته.
6- بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكن فيه من
إظهار دينه ودعوته فيه، ولهذا خرج أبو بكر على الرغم من أفضلية بلده على
سائر البلدان، وعلى المسلم أن لا يركن إلى الذل والهوان بل يعمل تفكيره في
الخروج من الحصار المضروب على دينه ودعوته، ويبحث عن موطن موافق أو مسالم
لها، حتى يتمكن من تحقيق عبوديته لله تعالى.
7- التقارب والتشابه بين صفات الرسول صلى الله
عليه وسلم وصفات أبي بكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قالت له خديجة:
(( كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري
الضيف... )) وأبو بكر يقول له ابن الدغنة: (( مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا
يخرج، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف... )).
8- ينبغي للمسلم أن ينافس على خصال الخير
المتعدية فإن هذا أدعى لرضا الله تعالى عنه، وقبول الخلق ما لديه، وكما قيل
في وصف أهل السنة والجماعة (( أعلم الناس بالحق وأرحمهم للخلق )) ونفع
الناس أعظم من نوافل العبادات (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ
كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا
يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ )).
9- إن الأعمال المتعدية تكسب الثقة والمنـزلة
في قلوب الناس مهما كانوا، فالناس لا ينظرون إلى العبادات الشخصية بقدر ما
يراعون تجاوب الرجل مع مشاكلهم، ومشاركته الفاعلة في حياتهم.
فأبو بكر كسب ثقة ابن الدغنة وهو مشرك، فأجاره ورد على قريش على ملأ منهم، ولم يستطيعوا التنكر لذلك لشهرة تلك الصفات عن أبي بكر.
10- تقدير العرب للعادات الكريمة والصفات
الحميدة وقيام العظماء والشرفاء في صف صاحبها، وهذا يفسر قول الرسول صلى
الله عليه وسلم: (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))()، وقول الله تعالى:
{اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: 124).
11- الاستفادة من تقاليد المجتمع وأنظمته في
خدمة الدعوة بما لا يتعارض مع أوامر الله ورسوله، فقد تجاوب أبو بكر مع ابن
الدغنة، واستفاد من جواره، ورجع إلى بيته.
12- مصادرة صوت الحق وتجفيف منابعه، فالكفار لم
يكتفوا بتشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبث الدعايات
الكاذبة عليهم، وإيراد الإيرادات الواهية على منهجه وتعاليمه، لأنهم يعلمون
أن الناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم، بل إن أول الناس بعداً عن
الاقتناع بطرحهم هم أبناؤهم ونساؤهم، فالدعايات لا تغير كل قناعات الناس،
ولهذا وعلى الرغم من تلك المحاربة الإعلامية والعقبات الكبيرة التي وضعتها
قريش أمام الدعوة، فإنها تخشى على أبنائها ونسائها من سماع صوت الحق
فيقتنعوا به.
13- الكفار وأهل الباطل يصادرون حريات التفكير
ولا يجعلون للناس مجالاً للاختيار، أو فرصة في المعرفة، بل يعتبرون سواهم
ليسوا على مستوى معرفة المصالح والمفاسد، ويجعلون لهم وحدهم تلك المعرفة
وما على المجتمع إلا اتباعهم والانقياد لما يرسمون ويخططون لهم، فهم يفكرون
عنهم ويوقعون بالنيابة عنهم ويسالمون ويعادون بالوكالة!! وإلا فيا معشر
قريش أليس أبناؤكم وعبيدكم ونساؤكم منكم فلِمَ تمنعونهم من سماع صوت الحق
أم ليسوا على مستوى النقد والتمييز مثلكم.
وفي هذا درس لأهل العلم
والدعوة، فلا ينبغي أن يضيرهم تشويه صورتهم وإيذاؤهم، ومصادرة حرياتهم
وكلماتهم، فيسري إليهم اليأس فيتصوروا عدم قبول الناس لهم بسبب تلك
الدعايات المضللة، فهاهم أبناء قريش ونساؤهم يغدون على أبي بكر لسماع
القرآن الذي طالما سمعوا الكلام الباطل فيه وطالما حاولت قريش التشويش
عليه!!.
فمهما بلغت دعايات أهل الباطل واتهاماتهم ومحاربتهم للدين
وللدعوة فإن للحق طلاباً، والناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم،
فدعايات الباطل لم تؤثر في نساء قريش وأبنائهم فضلاً عن الآخرين.
14- الجهر بالحق والدعوة إليه هو الأصل في هذا
الدين، والاستسرار والكتمان والاختفاء بالعبادة طارئ يلجأ إليه لوقت محدود،
ولظرف طارئ، ولمصلحة راجحة، أما أن يبقى المسلم دائماً مختفياً فهذا
يتنافى مع دعوته التي أمر أن يخرج الناس بها من الظلمات إلى النور، وإن
تعرض للأذى، ولهذا بنى أبو بكر مسجداً بفناء بيته واستعلن في صلاته
وقراءته.
15- إن جميع الكفار في كل العصور على اختلاف
مللهم ونحلهم لا يمانعون من قيام الرجل بعبادة فردية داخل منـزله ولا يعلن
بذلك، لأنهم يعلمون زيف معتقدهم وفساد منهجهم وضمور آرائهم، وأنه يمكن
تحطيمها بمجرد الإعلان بقراءة القرآن بفناء البيت، فمبادئهم لا تقف لحظة
أمام الحق، كالظلام الضارب أطنابه على الأرض سرعان ما ينقشع أمام شعلة
النور.
16- لقد فزعت قريش من تأثر الناس بأبي بكر
وصلاته وهو لا يملك أي وسيلة إعلامية، ولم يتقدم بدعوة أحد، أو يعقد مجلس
مناظرة أو حوار مع ذرياتهم.
17- وصف الكفار وأهل الباطل لكل ما يخالف هواهم
ومذهبهم بأنه فتنة للناس، قالت قريش عن أبي بكر: (( فإنا خشينا أن يفتن
نساءنا وأبناءنا )) فأبو بكر يثير الفتن في مفهوم قريش العقيم، فالكفار لا
يبالون بالتزوير وتغيير الحقائق وإطلاق الألفاظ غير المحسوبة على ما
يشاؤون، وإلا متى كان الحق والخير والصلاح فتنة للنساء والأبناء.
18- يعتبر من صلى جهاراً وقرأ القرآن علانية
ولوكان داخل فناء منـزله قد تعدى وتجاوز في نظر قريش فترفع لابن الدغنة
احتجاجها بأن أبا بكر: (( قد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره )).
19- عجباً لأهل الباطل لا يكفيهم حكم الأرض ومن
عليها، بل يرون أن لهم الحق حتى في تفكير الناس وآرائهم وليس لهم الحق حتى
في قراءاتهم في منازلهم، فقريش لن تقر لأبي بكر أن يقرأ بفناء بيته
ولنفسه، فهي تقول لابن الدغنة: (( ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان )) وقد
أراد فرعون أن يتحكم في القلوب كما قال للسحرة لما آمنوا: في قوله تعالى:
{آمنتم له قبل أن آذن لكم}.
20- يضفي أهل الضلال القداسة على مبادئهم
وعاداتهم وتقاليدهم الباطلة، ويوقعون العقوبة على من خالفها، ولكن متى بدت
لهم مصلحة أو لاح لهم في الأفق منفعة ضربوا بأنظمتهم عرض الحائط، وعندهم
استعداد للانقسام والانشطار متى ما تعرضت مصالحهم للخطر، فعند ذلك فلا عهد
ولا ذمة وإن كان المخالف من الرفاق والأصحاب، فهذه قريش تنوي خفر ذمة ابن
الدغنة ونبذ عهده لمجرد مخالفة بسيطة في المعاهدة، فبدلاً من أن يصلي أبو
بكر داخل البيت صلى في فناء البيت، فطلبوا ابن الدغنة وقالوا له في صيغة
التهديد: (( فإنا كرهنا أن نخفرك )).
21- قد يقوم فاجر بالحدب على المسلم والدفاع
عنه وقد يبدي احترامه لفكرته أو رأيه، ولكن مما ينبغي التفطن له أن هذا لا
يكون إلا بصورة محدودة وبما لا يتعارض مع مصلحته وسمعته، وأنه عنده
الاستعداد للتخلي عن حمايته بمجرد تعرض سمعته إلى خطر، فهذا ابن الدغنة لما
هددته قريش بسمعته طلب من أبي بكر رد جواره وقال له: (( فإني لا أحب أن
تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له )).
22- التوكل على الله والانتصار به والالتجاء
إليه والثقة بنصره هو معتقد المسلم الذي لا يفارقه أبداً، مع الشجاعة ونبذ
الخوف من المخلوقين ما دام يأوي إلى ركن شديد قال أبو بكر لابن الدغنة
(( أرد جوارك وأرضى بجوار الله )) قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)، وقال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
المُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم: 12)، وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ
الَّذِي لا يَمُوتُ} (الفرقان: 58)، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: (( حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم
حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد
جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل )).
23- لقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه
بالهجرة ولم يختر صاحباً له في الهجرة غير أبي بكر، وفي هذا دلالة على عظم
الصلة وقوة الرابطة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم: (( على رسلك،
فإني أرجو أن يؤذن لي )).
24- لقد تجهز أبو بكر للهجرة ثانية بنفسه إلى
المدينة، ولكن بعدما عرّض له الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحبة جلس وتحمل
الأذى والعنت والتعب من قريش طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة في
مصاحبته (( فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه )).
25- مبادرة أبي بكر في الترتيب لأمر الهجرة،
وبذل المال في خدمة دعوته بدون طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قام
مباشرة بعد تعريض الرسول صلى الله عليه وسلم له بالصحبة بتعليف راحلتين
كانتا عنده، إذ مثل هذا من بدهيات الهجرة فلا تحتاج إلى أمر يتلقاه من
الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يكن يربيهم تربية العبيد تربية الخنوع وإلغاء العقل مع المتبوع.
26- مقابلة التخطيط بالتخطيط، والتنظيم
بالتنظيم، والترتيب بالترتيب، فقريش تخطط وترتب للإيقاع بالدعوة، بينما
الرسول صلى الله عليه وسلم يخطط ويرتب للنجاة بها، وهذا يوضح أن الاستسرار
فيما يخدم الإسلام بما لا يتعلق به بلاغ ولا بيان ولا يترتب على إسراره
كتمان للدين أو سكوت عن حق من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يتعارض التخطيط وأخذ الحيطة مع التوكل على الله تعالى، لأن الأخذ بالأسباب جزء من التوكل على الله تعالى.
27- وإن من أعظم مظاهر التضحية في هذه الهجرة
أن يغادر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون هذا البلد الأمين الحبيب إلى
قلوبهم -بل وإلى قلوب جميع المسلمين- مغادرة يعلمون أن لا استقرار لهم فيه
بعدها، وهذا من أشق الأمور على النفس، ولكن رجال العقيدة يسترخصون في
سبيلها كل غال.
ولقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى -معنى
صعوبة مغادرة مكة وفراقها فراقاً لا سكنى بعده- في العديد من المواقف
المؤثرة.
عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم واقفاً على الحَزْورة فقال: (( والله والله إنك لخير أرض
الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )).
28- تربية أبي بكر رضي الله عنه لأسرته على
الأمانة ونصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما يملكون في سبيل ذلك، وكان
واثقاً أتم الثقة بتربيته فقال للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بإخراج
من عنده: (( لا عين عليك ))، (( إنما هم أهلك يا رسول الله )).
29- الرغبة في مصاحبة أهل الخير مهما ترتب على ذلك من أخطار، قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: (( الصحبة يا رسول الله )).
30- منـزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند أبي بكر أوصلته إلى البكاء من الفرح لما أخبره بمصاحبته في الهجرة.
31- الرغبة في المساهمة في طريق الخير وعدم
الاعتماد على الآخرين في ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أبى أن يركب
راحلة ليست له حتى اشتراها من أبي بكر بالثمن، حتى تكون هجرته بماله ونفسه
رغبة في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما.
32- أسرة أبي بكر تشارك بمجموعها في إنجاح خطة الهجرة النبوية.
33- الاستفادة من خبرات وطاقات المجتمع
وتوظيفها في المجالات المناسبة، فعبد الله بن أبي بكر للأخبار، وعامر
للشراب، وأسماء وعائشة لتجهيز الطعام وهكذا.
34- الاستفادة من خبرات المشركين إذا أمن
حالهم، ولم يكن لهم شوكة في التأثير على القرار، وعرفوا واشتهروا بما يراد
منهم، ولم يكن أحد من المسلمين يسد هذه الوظيفة، وكانت عاداتهم وتقاليدهم
تفرض عليهم الأمانة في أداء تلك المهمة.
35- اتخاذ الأسباب والاحتياطات التامة، ثم
التوكل على الله تعالى والثقة المطلقة به والاطمئنان لنصره، وعدم الاتكال
على الأسباب ذاتها، قال أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا
قال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )).
36- إن نصر الله فوق كل نصر، وقدرة الله فوق كل
قدرة، وأمر الله فوق كل أمر، وتأييده يتحدى كل قدرات البشر وطاقاتهم، فهذه
قريش صاحبة السلطة وتحت يدها السلاح والرجال والأموال ومع ذلك لم تستطع أن
تهتدي إليهم في الغار.
37- اهتمام أبي بكر بالرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على نفسه، فقد ذهب يبحث له في الطريق عن ظل يقيل فيه.
38- لقد استولت سلامة الرسول صلى الله عليه
وسلم على جل تفكير أبي بكر، فما أن وجد ظلاً يقيل فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلا وقام بتجهيزه وتنظيفه حتى يضطجع فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أما هو فقد نسي نفسه من القيلولة وذهب ينظر (( هل يرى من طلب )).
39-
الأدب الجم وحسن المخاطبة مع الأمانة يتجلى ذلك في مخاطبة أبي بكر لراعي
قريش لعله يحلب لهم، مع أن الركب في حال حرب مع قريش وقد سطت قريش على
أموال المسلمين وبيوتهم.
40- اهتمام أبي بكر بغذاء الرسول صلى الله عليه
وسلم من حيث النظافة والحالة الجيدة وتقديمه على نفسه في ذلك مع فرحه
بشربه، على الرغم مما هو فيه من الشدة والخوف، فقد أمر الراعي بتنظيف يديه،
ثم جعل الحليب في إناء برّده فيه، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (( ثم شرب حتى رضيت )).
41- أدب أبي بكر في مخاطبته للرسول صلى الله عليه وسلم (( آن الرحيل يا رسول الله )).
42- تعميم قريش على جميع القبائل في القبض على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.
43- بذل قريش المال لرصد المعلومات ومضايقة الأخيار وهذا أسلوب يستمال به ضعاف النفوس.
44- رصد جائزة كبيرة لمن أتى بهم، ولا شك أن
هذه الجائزة لا يفي بها مال رجل واحد من قريش، وإنما أثقلت كاهل عدد من
الأشراف، ولكن لا بأس بذلك ما دام الهدف هو القضاء على الإسلام، فلترصد
ميزانية هذا العام وليعش الناس في تقشف. قال سراقة: (( جاءنا رسل كفار قريش
يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما )).
45- من الدلائل على أن الجائزة المرصودة مغرية استنفار جميع القبائل للبحث عنهما، وتعتيم سراقة على قومه حتى يحظى بها وحده.
46- نجاح خطة وترتيبات الهجرة النبوية، فعلى
الرغم من حرص قريش وتعميمها على القبائل وبذل الأموال في سبيل ذلك إلا أنه
لم يدركهم منهم أحد غير سراقة.
47- لقد كان أبو بكر قلقاً على حياة رسول الله
من أن يصيبها أذى، ولذلك يكثر الالتفات، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد كان واثقاً من نصر ربه له، مطمئناً إلى ذلك لم يعبأ بالخطر مع قربه
منه، ولم يستحق منه مجرد الالتفات، قال أبو بكر: (( هذا الطلب قد لحقنا يا
رسول الله فقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة: 40) )).
48- لقد قرب سراقة منهم وأصبح الخطر قاب قوسين
أو أدنى، ولكن لا يأس من نصر الله ورحمته وحمايته، إن نصر الله يأتي العبد
من حيث لم يحتسب، وحين يشتد الخطر يقرب الفرج قال سراقة: (( فعثرت بي فرسي
فخررت عنها )) قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ
العُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5 -6)، وقال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ
الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهَمْ نَصْرُنَا} (يوسف:
110).
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
اشتدي أزمة تنفرجي قد آن ليلك بالبلج
49- أصحاب العقائد والمذاهب الباطلة عندهم
استعداد للتخلي عن مبادئهم عند أي مصلحة تلوح في الأفق، فليس لهم مبدأ
يحكمهم، ولا عقيدة يلتزمون بها تنظم حياتهم وتوجههم، فالاستقسام بالأزلام
واتباعها من عقائد المشركين، ولكن ها هو سراقة يستقسم بالأزلام هل يضر
الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه فيخرج لا يضرهم، يفعل ذلك مراراً فيخرج
الذي يكره، فيعصي الأزلام ويلحق بهم لأن مصلحته تقتضي ذلك.
50- القرآن الكريم زاد المسلم في كل حال، فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة الحال وقرب الخطر منه يقرأ القرآن
وينشغل به حتى قرب منه سراقة وسمع تلاوته.
51- إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل كما يقال،
ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال، فهذا سراقة يتحول من
ملاحق لهم إلى مخبر عن كل ما يكاد لهم من مكائد، قال سراقة: (( فأخبرتهم
أخبار ما يريد الناس بهم )) وهكذا نصر الله وتأييده ينقلب به العدو المطارد
لهم إلى ناصح معين.
52- استغناء الرسول صلى الله عليه وسلم عن متاع
سراقة وزاده على الرغم من عرضه عليهم ذلك، قال سراقة: (( وعرضت عليهم
الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني )) وهذأ برهان عظيم لسراقة بأن
الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن تقوده مصلحة دنيوية ومطلب مادي، وإنما
يسعى لهدفٍ سامٍ ينبغي على سراقة أن يعمل ذهنه فيه.
53- توظيف الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة
فيما يخدم الهجرة ولا يضير المسلمين إن لم يفعل ذلك وهو إخفاء أثرهما عن
الناس، فلم يعطه سراً ولم يكل إليه عملاً مهماً.
54- فراسة سراقة وبعد نظره، فقد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب أمان وهو المطارد الملاحق.
55- لقد ملأ الرسول صلى الله عليه وسلم قلبه
وجوارحه ثقة بالله تعالى وتأييده ونصره له فيكتب لسراقة كتاب أمان ولم يقل
كيف تطلب ذلك مني وأنا الشريد المطارد.
56- توجه الصحابة إلى التجارة والاستغناء عن
الخلق والاعتماد على النفس، وتمويل الدعوة ذاتياً، فقد خرج الزبير مع بعض
المسلمين تجاراً إلى الشام وفي طريق رجوعهم التقوا بالرسول صلى الله عليه
وسلم وهو في طريق الهجرة.
57- شدة اهتمام الأنصار بالهجرة النبوية، وترقبهم لوصول القافلة الشريفة، واتخاذ جميع الترتيبات والاحتياطات الأمنية لاستقباله.
58- وفي إلحاح والد البراء بن عازب على أبي بكر بإخباره بأمر الهجرة دلالة على اهتمام الصحابة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
59- لا بأس بالحديث عن العمل الصالح إذا عزم
عليه أخوه المسلم، وكان يرجى من ذكره النفع والفائدة، كما عزم عازب على أبي
بكر بذلك وتحديث أبي بكر له بأمر الهجرة.
منقول من موقع نصرة محمد رسول الله؟
مواضيع مماثلة
» من دروس الرسول صلى الله عليه وسلم
» عَـرَق الرسول صلى الله عليه وسلم
» بساطة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
» أكذوبة تعري الرسول صلى الله عليه وسلم
» كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعامل زوجاته
» عَـرَق الرسول صلى الله عليه وسلم
» بساطة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
» أكذوبة تعري الرسول صلى الله عليه وسلم
» كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعامل زوجاته
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: السيرة النبوية :: قبسات من السيرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى