الرسول في الشباب و الصبا
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: السيرة النبوية :: قبسات من السيرة
صفحة 1 من اصل 1
الرسول في الشباب و الصبا
صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية
وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة وعمره خمس وثلاثون سنة, ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود, اختلفوا فيمن يضعه في مكانه, فاتفقوا على أن يحكموا أول داخل عليهم، فكان رسول الله فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه . (أحمد والحاكم وصححه.)
وخالف جاهلية قريش في أبرز خصائصها كمناسك الحج حيث كانوا يسمون الحمس، ويقفون في المزدلفة، ولا يخرجون من الحرم زاعمين أن أهل الحرم لا ينبغي لهم أن يعظم من الحل كما يعظم من الحرم.
اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم
كان صلى الله عليه وسلم في شبابه يرعى الغنم لقريش وقال: «مَا
بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ:
وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ
مَكَّةَ»([1]).
رواه البخاري (ح2262).
ولما شب محمد وأصبح فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده, فاشتغل برعي الغنم لأعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم. ويذهب البعض إلى أن حرفة الرعي وقيادة الأغنام علمت الرسول صلى الله عليه و سلم رعاية المسلمين و قيادة الأمة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة فإن كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة, كما أن الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا, وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والإنسان, لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلألئة في الليل, والشمس المشرقة في الصباح, وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب
العبرة من أن رسول الله صلي الله عليه و سلم رعي الغنم :
ورعي الغنم يتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها:
1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظراً لبطء الغنم في الأكل، فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا سياسة البشر.
2- الحلم:
فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر وبعضها يذهب شمالاً وبعضها جنوباً، فإن كان
الراعي غضوباً جمعها بعد شتاتها بصورة مرعبة فتبقى مجتمعة خائفة لا تأكل
تخشى من عصا الراعي.
3- الأناة والقدرة: على جمع شتاتها بعد رعيها بدون أذى يلحق بها، أو نقص في غذاء يصيبها.
4- الرأفة والعناية بالضعيف: ففيها الصغير والضعيف والهرم، فيحتاج منه إلى لين ورأفة بها حتى تلحق بصواحبها وترعى مثلهن، وكذا سياسة البشر.
5- ارتياد أماكن الخصب:
والبحث عنها ونصحها في ذلك وتجنيبها مواطن الجدب والهلكة، وكذا سياسة
البشر تحتاج إلى بذل الجهد والنصح لهم في توريدهم مواطن الخير وتجنيبهم
مواطن الهلكة، وتحسين معاشهم وما يحتاجونه من رزق حلال، وتجنيبهم الأرزاق
المحرمة التي تسبب لهم الويلات والفساد، وتوزيع الثروة عليهم كل على حسبه
وقدرته وجهده.
6- التواضع:
في رعي الغنم وهو أمر ظاهر وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر»
فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنا؟ فقال:
«إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»
7-
ورعي الغنم من أعظم الفرص في الخلوة بالله تعالى والتفكر في خلق السموات
والأرض حيث السماء بنجومها، والأرض بجبالها وأشجارها وأنعامها...
8- إن الله تعالى قادر على أن يغني محمداً صلى الله عليه وسلم عن رعي الغنم، ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد.
9-
ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد وصاحب الدعوة يجب أن يستغني عن ما في
أيدي الناس ولا يعتمد بدعوته عليهم، فبذلك تبقى قيمته وترتفع منزلته،
ويبتعد عن الشبه والتشكيك فيه، ويتجرد في إخلاص العمل لله تعالى، ويرد شبه
الطغاة والظلمة الذي يصورون للناس أن الأنبياء أرادوا الدنيا بدعوتهم:
{وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} (يونس:78) هكذا يقول فرعون
لموسى، ونظراً لسيطرة حب الدنيا وحطامها على عقولهم يظنون أن أي تفكير وأي
حركة مراد به الدنيا، ولهذا قالت الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم مبينة
استغنائها عنهم: {قُلْ
مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} (سبأ:47)، {وَيَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ} (هود:29).
روى البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا
أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ
يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ
مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»
ولاشك أن الاعتماد على الكسب الحر تكسب الإنسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها.
وكان
أصحاب رسول الله يتاجرون ويعملون بأيديهم ولا يعتبر غضاضة في حقهم، فهذا
عمر يشغله الصفق بالأسواق عن حضور بعض مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما في حديث أبي موسى في الاستئذان «أَخَفِيَ
هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ».
وفي
البخاري عن قتادة: «كان القوم يتبايعون ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من
حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله»
وتقول عائشة رضي الله عنها: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم
بَحِيرَى الراهب و رسول الله
ولما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل: وشهرين وعشرة
أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى ـ وهي
معدودة من الشام، وقَصَبَة لحُورَان، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد
العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف
بَبحِيرَى، واسمه ـ فيما يقال: جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا
يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه
الله رحمة للعالمين. فقال له [أبو طالب و] أشياخ قريش: [و] ما
علمك [بذلك]؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر
إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من
غضروف كتفه مثل التفاحة، [وإنا نجده في كتبنا]، ثم أكرمهم بالضيافة،
وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم
واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة.
ولقد
بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول ببحيرا الراهب ، وما
كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق . . . وقد
رد كارليل في كتابه الأبطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد
لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمد يقول :
«
ولما شب محمد وترعرع، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه، وفي الثامنة
عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب، غير أن أهم أسفاره
ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ، رحلة إلى مشارف الشام ،
إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية
جداً في نظره، أعنى الديانة المسيحية . واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك
الراهب سرجياس (بحيرا) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار, ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب، فإن محمداً لم يكن يتجاوز آن ذاك الرابعة عشر، ولم يكن يعرف إلا لغته، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها. ولكن الغلام كان له عينان ثاقبتان، ولا بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره، ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر العشي ، وتحلها له يد الزمان يوماً ما، فتخرج منها آراء وعقائد ونظرات نافذات، فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لمحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) [1] .
[1] توماس كارليل : الأبطال ص : 68.
حرب الفجار
وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن, والتي استمرت أربع سنوات, كان عمر محمد في بدايتها خمسة عشر عاما. وسببها أن النعمان بن المنذر أراد أن يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ, فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض, وسمعت قريش وهى من كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لابد أنها ستثأر لرجلها
ووقع القتال بين الفريقين وكان في الأشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات عند انعقاد سوق عكاظ, ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلاها لهوازن فكانوا عشرين رجلا. وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في حرب الفجار:كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها) وقال في حديث آخر:قد حضرتها (حرب الفجار) مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت
ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى الله عليه و سلم, وهل بجمع النبل؟ أم بالرمي؟ و يبدو أن الرسول صلى الله عليه و سلم مارس العملين, فإن الحرب استمرت أربعة أعوام, كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى لا تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل, وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل.
حلف الفضول
وعلى
أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذى القعدة في شهر حرام تداعت إليه قبائل
من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب،وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم
بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جُدْعان التيمى؛ لسنِّه وشرفه،
فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر
الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا
الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة:
(لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت).
وهذا
الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها، ويقال في سبب
هذا الحلف: إن رجلًا من زُبَيْد قدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن
وائل السهمى، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الأحلاف عبد الدار ومخزومًا،
وجُمَحًا وسَهْمًا وعَدِيّا فلم يكترثوا له، فعلا جبل أبي قُبَيْس، ونادى
بأشعار يصف فيها ظلامته رافعًا صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب،
وقال: ما لهذا مترك؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول، فعقدوا
الحلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي.
اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة
وفي
الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله
عنها قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال،
تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا
تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن
يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من
التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
لم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بأسواق مكة أو بالأسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز, لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون. العجيب
السيرة الإجمالية قبل النبوة
كان
النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من
ميزات، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال حظًا
وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين
بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله
الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما
سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما
وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا
يأكل مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا، بل كان من
أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها،
وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى.
ولا
شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع
الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية
الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما
هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني
وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي
الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر
الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا،
فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على
أذنـى فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس. فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته،
ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة... ثم ما
هممت بسوء).
وروى
البخاري عن جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله
عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم:
اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى
السماء ثم أفاق، فقال: (إزاري، إزاري) فشد عليه إزاره. وفي
رواية: فما رؤيت له عورة بعد ذلك.
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة، وشمائل
كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم
حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا،
وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه: [الأمين]
لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية، وكان كما قالت أم
المؤمنين خديجة رضي الله عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف،
ويعين على نوائب الحق.
منقول من موقع نصرة محمد رسول الله؟
وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة وعمره خمس وثلاثون سنة, ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود, اختلفوا فيمن يضعه في مكانه, فاتفقوا على أن يحكموا أول داخل عليهم، فكان رسول الله فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه . (أحمد والحاكم وصححه.)
وخالف جاهلية قريش في أبرز خصائصها كمناسك الحج حيث كانوا يسمون الحمس، ويقفون في المزدلفة، ولا يخرجون من الحرم زاعمين أن أهل الحرم لا ينبغي لهم أن يعظم من الحل كما يعظم من الحرم.
اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم
كان صلى الله عليه وسلم في شبابه يرعى الغنم لقريش وقال: «مَا
بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ:
وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ
مَكَّةَ»([1]).
رواه البخاري (ح2262).
ولما شب محمد وأصبح فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده, فاشتغل برعي الغنم لأعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم. ويذهب البعض إلى أن حرفة الرعي وقيادة الأغنام علمت الرسول صلى الله عليه و سلم رعاية المسلمين و قيادة الأمة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة فإن كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة, كما أن الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا, وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والإنسان, لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلألئة في الليل, والشمس المشرقة في الصباح, وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب
العبرة من أن رسول الله صلي الله عليه و سلم رعي الغنم :
ورعي الغنم يتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها:
1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظراً لبطء الغنم في الأكل، فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا سياسة البشر.
2- الحلم:
فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر وبعضها يذهب شمالاً وبعضها جنوباً، فإن كان
الراعي غضوباً جمعها بعد شتاتها بصورة مرعبة فتبقى مجتمعة خائفة لا تأكل
تخشى من عصا الراعي.
3- الأناة والقدرة: على جمع شتاتها بعد رعيها بدون أذى يلحق بها، أو نقص في غذاء يصيبها.
4- الرأفة والعناية بالضعيف: ففيها الصغير والضعيف والهرم، فيحتاج منه إلى لين ورأفة بها حتى تلحق بصواحبها وترعى مثلهن، وكذا سياسة البشر.
5- ارتياد أماكن الخصب:
والبحث عنها ونصحها في ذلك وتجنيبها مواطن الجدب والهلكة، وكذا سياسة
البشر تحتاج إلى بذل الجهد والنصح لهم في توريدهم مواطن الخير وتجنيبهم
مواطن الهلكة، وتحسين معاشهم وما يحتاجونه من رزق حلال، وتجنيبهم الأرزاق
المحرمة التي تسبب لهم الويلات والفساد، وتوزيع الثروة عليهم كل على حسبه
وقدرته وجهده.
6- التواضع:
في رعي الغنم وهو أمر ظاهر وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر»
فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنا؟ فقال:
«إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»
7-
ورعي الغنم من أعظم الفرص في الخلوة بالله تعالى والتفكر في خلق السموات
والأرض حيث السماء بنجومها، والأرض بجبالها وأشجارها وأنعامها...
8- إن الله تعالى قادر على أن يغني محمداً صلى الله عليه وسلم عن رعي الغنم، ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد.
9-
ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد وصاحب الدعوة يجب أن يستغني عن ما في
أيدي الناس ولا يعتمد بدعوته عليهم، فبذلك تبقى قيمته وترتفع منزلته،
ويبتعد عن الشبه والتشكيك فيه، ويتجرد في إخلاص العمل لله تعالى، ويرد شبه
الطغاة والظلمة الذي يصورون للناس أن الأنبياء أرادوا الدنيا بدعوتهم:
{وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} (يونس:78) هكذا يقول فرعون
لموسى، ونظراً لسيطرة حب الدنيا وحطامها على عقولهم يظنون أن أي تفكير وأي
حركة مراد به الدنيا، ولهذا قالت الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم مبينة
استغنائها عنهم: {قُلْ
مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} (سبأ:47)، {وَيَا قَوْمِ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ} (هود:29).
روى البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا
أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ
يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ
مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»
ولاشك أن الاعتماد على الكسب الحر تكسب الإنسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها.
وكان
أصحاب رسول الله يتاجرون ويعملون بأيديهم ولا يعتبر غضاضة في حقهم، فهذا
عمر يشغله الصفق بالأسواق عن حضور بعض مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما في حديث أبي موسى في الاستئذان «أَخَفِيَ
هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ».
وفي
البخاري عن قتادة: «كان القوم يتبايعون ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من
حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله»
وتقول عائشة رضي الله عنها: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم
بَحِيرَى الراهب و رسول الله
ولما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل: وشهرين وعشرة
أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى ـ وهي
معدودة من الشام، وقَصَبَة لحُورَان، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد
العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف
بَبحِيرَى، واسمه ـ فيما يقال: جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا
يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه
الله رحمة للعالمين. فقال له [أبو طالب و] أشياخ قريش: [و] ما
علمك [بذلك]؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر
إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من
غضروف كتفه مثل التفاحة، [وإنا نجده في كتبنا]، ثم أكرمهم بالضيافة،
وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم
واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة.
ولقد
بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول ببحيرا الراهب ، وما
كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق . . . وقد
رد كارليل في كتابه الأبطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد
لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمد يقول :
«
ولما شب محمد وترعرع، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه، وفي الثامنة
عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب، غير أن أهم أسفاره
ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ، رحلة إلى مشارف الشام ،
إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية
جداً في نظره، أعنى الديانة المسيحية . واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك
الراهب سرجياس (بحيرا) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار, ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب، فإن محمداً لم يكن يتجاوز آن ذاك الرابعة عشر، ولم يكن يعرف إلا لغته، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها. ولكن الغلام كان له عينان ثاقبتان، ولا بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره، ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر العشي ، وتحلها له يد الزمان يوماً ما، فتخرج منها آراء وعقائد ونظرات نافذات، فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لمحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) [1] .
[1] توماس كارليل : الأبطال ص : 68.
حرب الفجار
وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن, والتي استمرت أربع سنوات, كان عمر محمد في بدايتها خمسة عشر عاما. وسببها أن النعمان بن المنذر أراد أن يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ, فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض, وسمعت قريش وهى من كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لابد أنها ستثأر لرجلها
ووقع القتال بين الفريقين وكان في الأشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات عند انعقاد سوق عكاظ, ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلاها لهوازن فكانوا عشرين رجلا. وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في حرب الفجار:كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها) وقال في حديث آخر:قد حضرتها (حرب الفجار) مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت
ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى الله عليه و سلم, وهل بجمع النبل؟ أم بالرمي؟ و يبدو أن الرسول صلى الله عليه و سلم مارس العملين, فإن الحرب استمرت أربعة أعوام, كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى لا تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل, وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل.
حلف الفضول
وعلى
أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذى القعدة في شهر حرام تداعت إليه قبائل
من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب،وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم
بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جُدْعان التيمى؛ لسنِّه وشرفه،
فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر
الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا
الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة:
(لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت).
وهذا
الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها، ويقال في سبب
هذا الحلف: إن رجلًا من زُبَيْد قدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن
وائل السهمى، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الأحلاف عبد الدار ومخزومًا،
وجُمَحًا وسَهْمًا وعَدِيّا فلم يكترثوا له، فعلا جبل أبي قُبَيْس، ونادى
بأشعار يصف فيها ظلامته رافعًا صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب،
وقال: ما لهذا مترك؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول، فعقدوا
الحلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي.
اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة
وفي
الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله
عنها قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال،
تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا
تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن
يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من
التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
لم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بأسواق مكة أو بالأسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز, لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون. العجيب
السيرة الإجمالية قبل النبوة
كان
النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من
ميزات، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال حظًا
وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين
بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله
الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما
سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما
وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا
يأكل مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا، بل كان من
أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها،
وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى.
ولا
شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع
الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية
الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما
هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني
وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي
الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر
الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا،
فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على
أذنـى فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس. فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته،
ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة... ثم ما
هممت بسوء).
وروى
البخاري عن جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله
عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم:
اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى
السماء ثم أفاق، فقال: (إزاري، إزاري) فشد عليه إزاره. وفي
رواية: فما رؤيت له عورة بعد ذلك.
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة، وشمائل
كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم
حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا،
وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه: [الأمين]
لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية، وكان كما قالت أم
المؤمنين خديجة رضي الله عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف،
ويعين على نوائب الحق.
منقول من موقع نصرة محمد رسول الله؟
..::عرب سيد 4::.. :: المنتديات الاسلامية :: قسم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" والرد على المعتدين :: السيرة النبوية :: قبسات من السيرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى